السبت، 4 أكتوبر 2008

مهارات التدريب للأستاذ الجامعي

مقال للدكتور/ أسامة أحمد - مجلة التدريب والتقنية
العدد رقم 114 - يوليه 2008

الجامعات الناجحة ليست مقررات تدرس أو لغة بعينها أو دولة ما أو موقعاً جغرافياً محدداً وإنما هي منظومة متكاملة يقوم فيها الأستاذ الجامعي بدور المايسترو في الأوركسترا والقائد العسكري في الميدان والأب في الأسرة.

ومن هنا نطرح سؤالاً من خلال هذا المقال ونقترح الإجابة عليه ألا وهو (ما الذي يميز الأستاذ الجامعي الناجح؟). وقبل الإجابة على هذا السؤال علينا استعراض محاولات سابقه ظن أصحابها أنها هي الإجابة على هذا السؤال وليس المجال مناسباً لعرض تفاصيل الآراء المختلفة في الرد على السؤال غير أننا سنتعرض لأكثر ثلاثة ردود شيوعاً كما أن ما سيلي ليس مقصودا به جامعة بعينها أو دولة عربية معينة وإنما قد يكون ذلك لسان حال الكثير من جامعاتنا العربية وليس بالضرورة أن يكون في جميعها.

أول هذه المحاولات من ظن أن الأستاذ الجامعي غير العربي هو الأفضل بكل ما يحمله من أفكار وممارسات حتى بالغ البعض فقال "علينا بإتباع كل ما يقدمه هؤلاء بل حتى علينا بإتباع سلبياتهم فلعل قصور عقولنا يقف وراء عدم إدراك أن سلبياتهم هي ميزات في حد ذاتها!!" وذهبت أغلب الجامعات العربية إلى الحكم مسبقاً على حملة الجنسيات غير العربية أنهم الأفضل والأكثر استحقاقا في الرواتب والبدلات والامتيازات. حتى بلغ حال بعض أعضاء هيئة التدريس العرب إلى درجة أن قال: "لأن تنفق خمس سنوات من عمرك في الحصول على جنسية أجنبية فتعود وتعمل بعدها في دولة عربية أفضل من أن تنفقها في عمل جاد متفاني في الحصول على الدكتوراه من أي دولة عربية لأنه سيكون محكوم عليك بالمحدودية الفكرية قبل أن تـُختبر حتى وإن كنت الأفضل" مع العلم أن ذلك غير متبع في جامعات الدول المتقدمة فلا يوجد أي تفرقة في الدخول لأعضاء هيئة التدريس لديهم على أساس جنسياتهم. وما سبق لا يعني المطالبة بالمساواة بين الجميع دون النظر إلى درجة الكفاءة كما لا ينفي تميز النسبة الأكبر من أعضاء هيئة التدريس من تلك الدول المتقدمة عن غيرهم.

ثم محاولة ثانية للإجابة على السؤال المطروح بالمقال افترض أصحابها أن الأستاذ الجامعي الأكبر سناً هو بغير شك الأفضل والأقدر على تولي زمام الأمور وقيادة السفينة إلى بر الأمان وتناسوا أنه لكم بقي هذا المبدأ في جامعاتنا العربية؟ وهل من انجازات حققها إلى الآن؟ وهل نفس هذا المبدأ هو المطبق بالجامعات المتقدمة وبنفس أسلوب التطبيق كما يتم لدينا؟ مع احترامنا الكامل للخبرة الزمنية وعدم إنكارها غير أننا نقول أنها ليست المتغير الوحيد في المنظومة.

وثالث هذه المحاولات في تفسير من هو الأستاذ الجامعي المتميز نجد من يقول بأن عدد أبحاث ونقاط الترقية التي حصل عليها عضو هيئة التدريس هو ما يحدد من هو الأفضل دون أن يطرحوا على أنفسهم سؤالاً حول جدوى تلك الأبحاث ، ومدى تناسب موضوعاتها ، وماذا فـُعل بها ، وكيف تم تنفيذها؟ وهل أصبحت غاية أم وسيلة؟. ويقول كثير من أنصار هذا الرأي "عضو هيئة التدريس لا يحق له الإضافة أو الإسهام العلمي قبل الحصول على درجة الأستاذية!!" ونسي أصحاب هذا الرأي أن هذا لم يفعله غيرنا بالجامعات المتقدمة والناجحة كما نسوا أن من لم يضف قبل الأستاذية فلن يضف شيئاً بعدها.

دعونا نطرح رأياً مقترحاً للإجابة على السؤال السابق من منظور الفرق بين التعليم والتدريب حيث يمكن تعريف التعليم تعريفاً مبسطاً بأنه (توصيل المعلومة) بينما يمكننا تعريف التدريب بأنه (تطبيق المعلومة) وهنا تكمن الإجابة في الفرق بين الأستاذ الجامعي الذي يمتلك مهارت التدريب والذي لا يمتلك. فكلاهما قد يملك ذات الدرجة من المعلومات ولكن الفرق بينهما هو مدى قدرة كل منهما في تطبيق تلك المعلومات ومعاونة طلابه وطالباته في ذلك وهو ما يصعب تنفيذه في بيئة التلقي المحض غير التفاعلي.

ولعل المسئولية الكبرى في تحقيق تنمية التعليم الجامعي من خلال الارتقاء بمهارات التدريب لدى أعضاء هيئة التدريس الجامعي يمكن صياغتها في العناصر التالية:
1. على الجامعات اختبار مهارات التدريب لدى أعضاء هيئة التدريس قبل توليهم أمانة أجيال المستقبل.
2. على إدارات الجامعات القيام بدورها في إيجاد وتطوير قياسات لمدى تحقيق أهدافها التعليمية الجوهرية والتنموية في أنشطتها التعليمية المختلفة دون الاكتفاء فقط بمجرد التقييم وفقاً لأكبر قدر من الحفظ الأصم إن صح التعبير.
3. يحتاج عضو هيئة التدريس إلى قاعات ذات مواصفات خاصة حتى يتمكن من ممارسة العملية التدريبية وهو ما لا يتناسب مع القاعات المهيأة فقط لعمليات التلقين من طرف واحد.
4. من العجيب أن الاتحادات العالمية والجمعيات العالمية المتخصصة في تدريب المدربين تحصي ما يزيد الآن على أكثر من 28 أسلوب تدريبي في الوقت الذي نجد فيه الكثير من أعضاء هيئة التدريس لا يجيد ولا يستخدم منهم غير أسلوب المحاضرة.
5. على أعضاء هيئة التدريس تعلم مهارات التدريب وأساليبه وطرائقه ووسائله الحديثة والاستمرار في تطوير ما تعلموه حول هذا المجال لأنه ليس كما تسميه بعض الجامعات دورات تأهيليه تؤخذ في بداية عمله كعضو هيئة تدريس وإنما يتم تنفيذها على هيئة دورات يتم الحصول عليها بانتظام وفقاً لأحدث إصداراتها العالمية لتدريب المدربين والمقترح إعادة الحصول عليها لتطوير محتواها كل سنتين على الأكثر.

تتمثل أهداف العملية التدريبية في ثلاثة أهداف رئيسية يمكن أن نطلق عليها مثلث ASK للإشارة إلى الحروف الأولى من الكلمات الانجليزية لهذه الأهداف والموضحة كما يلي:
· تغيير الاتجاهات Attitude.
· إكساب المهارات Skill.
· إكساب المعرفة Knowledge.

يدرك الأستاذ الجامعي الناجح أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن نسبة نجاح أسلوب المحاضرة التلقينية من طرف واحد تتراوح بين 5-7% من مجموع الأهداف التعليمية المرغوبة في القاعات الدراسية (وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الكلام لا ينطبق بالطبع على الخطب الدينية التي تتوافر فيها عوامل نجاح لا تتوافر في المحاضرة التلقينية ذات الطرف الواحد المتبعة بالجامعات حيث أن الخطب تمس المعتقدات ويأتي إليها الفرد طواعية برغبته بدون ضغوط بالإضافة إلى عدة عوامل نجاح أخرى).

والأستاذ الجامعي الناجح يلم بدرجة مناسبة بتطوير مهاراته في استخدام الأساليب التدريبية المتنوعة والتي منها: ورشة العمل ، مجموعات العمل ، الحالة العملية ، التطبيق العملي ، التدريب العملي ، العصف الذهني ، المحاكاة ، تمثيل الأدوار ، الخريطة الذهنية ، عقود التعلم ، المحاضرة ، المناقشة ، تبادل الأدوار ، التعلم الذاتي ، تداعي الصور ، تداعي العبارات ، تداعي المواقف ، الندوة ، المؤتمر ، الحلقة النقاشية ، الرحلات العلمية.

كما ينبغي على الأستاذ الجامعي أن يكون لديه قدر مناسب من مهارات استخدام الوسائل التعليمية والتدريبية بصورة صحيحة وفي الموقف المناسب والتي من بينها: السبورة ، الأوراق الموزعة ، التليفزيون ، الانترنت ، المنتديات العلمية ، غرف المحادثة العلمية ، اللوحات ، البروجكتور ، الفيديوكونفرنس ، المعامل السمعية ، الكمبيوتر ، برامج الفيديو ، البرامج الصوتية ، أجهزة العرض الضوئي. مع العلم أنه في بعض الجامعات العربية قد تقوم إدارة الجامعة بدورها في توفير تلك الوسائل التي قد تعادل أو تفوق أحياناً الموجود في أفضل الجامعات على المستوى الدولي ولكن دون أن يتم استخدامها بفعالية من أعضاء هيئة التدريس لنقص الخبرة أو ضعف المهارات أو لعدم الرغبة لسبب أو لآخر.

وتأكيداً على جوهرية علاقة مهارات التدريب للأستاذ الجامعي فقد قامت إحدى الجامعات العربية بتجربة رائدة في قياس مدى تحقق الأهداف التعليمية من خلال برامجها التعليمية فعملت على قياس فعالية أعضاء هيئة التدريس لديها (ممن يحملون درجة الدكتوراه) من خلال تقييمات مئات الطلاب والطالبات لأعضاء هيئة التدريس ، ومن خلال لجان تقييم علمية ومقاييس منهجية معتمدة من جهات مهنية مختصة فكانت النتائج مذهلة حيث توصلت الدراسة التي قامت بها تلك الجامعة على أداء العملية التعليمية بها إلى أن أفضل المخرجات تمت من خلال أعضاء هيئة التدريس العرب (مع العلم بوجود جنسيات غير عربية ومن دول متقدمة بهذه الجامعة) ، والأصغر سناً (مع العلم بوجود أعضاء ذوي خبرات تمتد لعشرات السنوات) ، والأقل درجة علمية (مع وجود العديد ممن يحملون درجة الأستاذية) كما تبين أن هناك رصيد خبرات تدريبية فقط يميز الحاصلين على أعلى معدلات التقييم ذات الفرق الجوهري عن باقي الأعضاء.

ويبقى كلمة حق نقولها أن هذا الأداء المطلوب من الأستاذ الجامعي ليس باليسير بل أنه يحتاج جهود هائلة من عضو هيئة التدريس والجامعة والجهات الحكومية المختصة في سبيل تحقيق المنظومة السابق الإشارة إليها لبناء جيل المستقبل وهو ما يعد الاستثمار الأمثل في خطة التنمية نحو اللحاق بركب التقدم وذلك يحتاج إلى إعادة النظر فيما نقدمه من مزايا نقدية وعينية وأدبية لأعضاء هيئة التدريس وخاصة أولئك الذين تفهموا حقيقة تبعات هذا الدور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدنا تسجيل تعليقكم والاشتراك بمتابعة المدونة والقناة على يوتيوب osamamarketing لتصلكم أيه اضافات جديدة